◄إذا تخطينا المدارس الفكرية، وفهمها للسياسة، أنّها: (فن الحكم، وأنّها الكفاح من أجل السلطة) وأنّها: (أداة للتسلط، والسيطرة والتحكم) وأنّها (فن الوصولية) وعدنا إلى الإسلام، لنعرف رأيه في السياسة، وتحديده لمفهومها من خلال الممارسة التي تمّت على يد الرسول الكريم (ص) والمقتدين بنهجه، ومن خلال النصوص والمفاهيم الواردة في القرآن والسُّنة... ومن خلال الدراسات السياسية والعقائدية، خصوصاً بحث (الإمامة) لدى العلماء والمفكرين الإسلاميين، نستطيع أن نحدّد هذا المفهوم بشكل واضح، وبعيد عن الاضطراب والضبابيَّة التي اكتنفت المدارس الفكرية المختلفة خارج الإطار الإسلامي.
فباستقراء، ومتابعة كلمة السياسة، والراعي والرعية، والإمام، والسلطان وولي الأمر، والبيعة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والشورى في الدراسات الإسلامية.. وفي النصوص والمجالات ذات العلاقة، سنعرف أنّ مفهوم السياسة في المدرسة الإسلامية، قريب من معناه اللغوي.
فكلمة (سياسة) تطلق على كلّ عمل يتعلق برعاية الأُمّة، وتدبير شؤونها.. سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعليمية، أو إدارة الدولة، أو نشاط الأفراد والأحزاب الإسلامية، أو القُضاء وإدارة العلاقات الخارجية والدفاع عن الأُمّة والعقيدة والأوطان.. إلخ، وإذن فالحكومة مسؤولة عن رعاية شؤون الأُمّة، والأُمّة مسؤولة عن رعاية شؤونها، ومن رعاية شؤونها، مراقبتها للسلطة، ومحاسبتها، وإسداء النُّصح والمشورة، وتحديد الموقف منها عند الانحراف، والخروج عن الخطّ الإسلامي..
وهكذا نفهم أنّ معنى السياسة ليس هو (الكفاح من أجل السلطة، والصراع عليها) وليس هو محصوراً في (فن الحكم المجرّد) وليس (هي أداة تسلط طبقي) ولا هي (فن الوصولية).. بل هي: (رعاية شؤون الأُمّة).
وتُسأل عن هذا الواجب ابتداء الأُمّة الإسلامية بأجمعها، ثم تتركز المهمّة بـ(السلطة الإسلامية) مع بقاء المسؤولية السياسية قائمة من خلال واجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، على نحو الكفاية.
والواضح أنّ الرعاية، والاهتمام بشؤون الأُمّة ومصالحها، يدخل فيها فن الحكم، ونشاطات السلطة السياسية، ونشاطات الأُمّة السياسية، بما فيها الكفاح والثورة ضد الحاكم الظالم. وهكذا يتّسع مفهوم السياسة في الإسلام، ليشمل كلّ ما هو رعاية لشؤون الأُمّة، ومصلحتها.
وبعبارة أخرى أنّ السياسة: عمل تقوم به الأُمّة، وجهاز السلطة، من أجل تحقيق الأهداف الأساسية للرسالة الإسلامية التي لخّصها الفقهاء بـ(جلب المصالح ودرء المفاسد).
هكذا يتّسع هذا المفهوم ليشمل كلّ عمل ونشاط يمارسه، أو تقوم به الحكومة والأفراد والجماعة والمنظمات والأحزاب القائمة على أساس الإسلام من أجل: (جلب المصالح، ودرء المفاسد) لتحقيق الأمن، والدفاع الخارجي، والقضاء، وتقديم الخدمات التعليمية، والطبية، وتقويم السلطة، وتحقيق العدل، وإزاحة الظلم، وحماية الأخلاق، وتوجيه الاقتصاد، وفن إدارة السياسة، وأمثال ذلك ممّا يدور في دائرة الرعاية والعناية بشؤون الأُمّة، والحفاظ على مصالحها، ودرء المفاسد عنها.
وقد اتّسع أخيراً مفهوم السياسة، كما فهمه الفكر الإسلامي، بعد التطوّر الذي حصل في الدساتير وموضوعاتها التي تعتني بعلاجها. بحيث أصبح الدستور وثيقة تحوي الأُسس العامّة لتنظيم الحياة وتوجيهها، وتطويرها بشتّى مجالاتها، وأبواب نشاطها كما سبق الفكر الإسلامي إلى ذلك، ويتضح لنا ذلك من خلال دراسة النصوص الواردة في القرآن والسُّنة المطهرة.►
المصدر: كتاب الثقافة السياسية الإسلامية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق